الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (25): {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)}{قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال موسى عليه السلام حين قيل له ما قيل؟ فأجيب بأنه قال: {رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري..تفسير الآية رقم (26): {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)}{وَيَسّرْ لِى أَمْرِى} الظاهر أنه متعلق بقوله تعالى: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ} [طه: 24] إلخ، وذلك انه عليه السلام علم من الأمر بالذهاب إليه والتعليل بالعلة المذكورة أنه كلف أمرًا عظيمًا وخطبًا جسيمًا يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جاش رابط وصدر فسيح فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره ويجعله حليمًا حمولًا يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة إلى مر الحق من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات وأن يسهل عليه مع ذلك أمره الذي هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهو لها بتوفيق الأسباب ورفع الموانع، فالمراد من شرح الصدر جعله بحيث لا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب البشرية الضجر والقلق من الشدائد، وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل واعراض عن الأنانية بالكلية:وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى وروح منه عز وجل ولهم فيه عبارات أخر لعل بعضها سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة. وقال بعضهم: إن هذا القول معلق بما خاطبه الله تعالى به من لدن قوله سبحانه: {إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ} [طه: 12] إلى هذا المقام فيكون قد طلب عليه السلام شرح الصدر ليقف على دقائق المعرفة وأسرار الوحي ويقوم راسم الخدمة والعبادة على أتم وجه ولا يضجر من شدائد التبليغ. وقيل: إنه عليه السلام لما نصب لذلك المنصب العغظيم وخوطب بما خوطب في ذلك المقام احتاج إلى تكاليف شاقة من تلقي الوحي والمواظبة على خدمة الخالق سبحانه وتعالى وإصلاح العالم السفلى فكأنه كلف بتدبير العالمين والالتفات إلى أحدهما يمنع من الاشتغال بالآخر فسأل شرح الصدر حتى يفيض عليه من القوة ما يكون وافيًا بضبط تدبير العالمين، وقد يقال: إن الأمر بالذهاب إلى فرعون قد انطوى فيه الإشارة إلى منصب الرسالة المستتبع تكاليف لائقة به منها ما هو راجع إلى الحق؛ ومنها ما هو منوط بالخلق، وقد استشعر موسى عليه السلام كل ذلك فبسط كف الضراعة لطلب ما يعينه على أداء ذلك على أكمل وجه فلا يتوقف تعميم شرح الصدر على تعلقه بأول الكلام كما لا يخفى، ثم إن الصدر عند علماء الرسوم يراد منه القلب لأنه المدرك أو مما به الإدراك والعلاقة ظاهرة.ولعلماء القلوب كلام في ذلك سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة مع بعض ما أطنب به الإمام في تفسير هذه الآية، وفي ذكر كلمة {لِى} مع انتظام الكلام بدونها تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسر أولًا وتفسيرهما ثانيًا فإنه لماقال: {اشرح لِى} [طه: 25] علم أن ثم مشروحا يختص به حتى لو اكتفى لتم فإذا قيل {صَدْرِى} أفاد التفسير والتفصيل أما لو قيل {اشرح} واكتفى به فلا وكذا الكلام في {يَسْرِ لِى}. وقيل: ذكر {لِى} لزيادة الربط كما في قوله تعالى: {اقترب لِلنَّاسِ حسابهم} [الأنبياء: 1]. وتعقب بأنه لا منافاة وهو الذي أفاد هذا المعنى وفي الانتصاف أن فائدة ذكرها الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإنه تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه {يَسْرِ لِى أَمْرِى}. .تفسير الآية رقم (27): {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)}{واحلل عُقْدَةً مّن لّسَانِى} روى أنه كان في لسانه عليه السلام رتة من جمرة أدخلها فاه في صغره.وذلك ان فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته لما كان فيها من الجواهر. وقيل: لطمه. وقيل: ضربه ضربه بقضيب في يده على رأسه فتطير فدعا بالسياف فقالت آسية بنت مزاحم امرأته وكانت تحب موسى عليه السلام: إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر فاحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه.وفي هذا دليل على فساد قول القائلين بأن النار تحرق بالطبيعة من غير مدخلية لاذن الله تعالى في ذلك إن لو كان الأمر كما زعموا لأحرقت يده. وذكر في حكمة إذن الله تعالى لها بإحراق لسانه دون يده ان يده صارت آلة لما ظاهره الإهانة لفرعون. ولعل تبييضها كان لهذا أيضًا وإن لسانه كان آلة لضد ذلك بناء على ما روي أنه عليه السلام دعاه بما يدعو به الأطفال الصغار آبائهم. وقيل: احترقت يده عليه السلام أيضًا فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ. ولعل ذلك لئلا يدخلها عليه السلام مع فرعون في قصة واحدة فتفقد بينهما حرمة المؤاكلة فلما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدى وقد عجزت عنه. وكان الظاهر على هذا أن يطرح عليه السلام النار من يده ولا يوصلها إلى فيه. ولعله لم يحس بالألم إلا بعد أن أوصلها فاه أو أحس لكنه لم يفرق بين القائها في الأرض والقائها في فمه وكل ذلك بتقدير الله تعالى ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا. وقيل: كانت العقدة في لسانه عليه السلام خلقة. وقيل: إنها حدثت بعد المناجاة وفيه بعد.واختلف في زوالها بكمالها فمن قال به كالحسن تمسك بقوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤلك يَا موسى} [طه: 36] من لم يقل به كالجبائي احتج بقوله تعالى: {هُوَ أَفْصَحُ مِنّى} [القصص: 34] وقوله سبحانه: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52].وا روي أنه كان في لسان الحسين رضي الله عنه رتة وحبسة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: إنه ورثها من عمه موسى عليه السلام. وأجاب عن الأول بأنه عليه السلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل عقدة تمنع الافهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله: {من لساني} ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل {من} ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل {مِنْ} تبعيضية أي عقدة كائنة من عقد لساني فإن العقدة للسان لا منه. وجعل قوله تعالى:.تفسير الآيات (28- 30): {يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30)}{يَفْقَهُواْ قَوْلِي} جواب الطلب وغرضا من الدعاء فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤاله عليه السلام. واعترض على ذلك بأن قوله تعالى: {هُوَ أَفْصَحُ مِنّى} [القصص: 34] قال عليه السلام قبل استدعاء الحل على أنه شاهد على عدم بقاء اللكنة لأن فيه دلالة على أن موسى عليه السلام كان فصيحًا غايته إن فصاحة أخيه أكثر وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله: {لسانًا} [القصص: 34]. ويشهد لهذه المنافاة ما قاله ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا يقال: لله تعالى فصيح وإن قيل لكلامه سبحانه فصيح ولذلك لا يسمى الالثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف وبأن قوله تعالى: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52] معناه لا يأتي ببيان وحجة، وقد قال ذلك اللعين تمويهًا ليصرف الوجوه عنه عليه السلام، ولو كان المراد نفي البيان وافهام الكلام لاعتقال اللسان لدل على عدم زوال العقدة أصلًا ولم يقل به أحد، وبانا لا نسلم صحة الخبر، وبأن تنكير {عُقْدَةَ} [طه: 27] يجوز أن يكون لقتلها في نفسها. ومن يجوز تعلقها بـِ {احلل} [طه: 27] كما ذهب إليه الحوفي واستظهره أبو حيان فإن المحلول إذا كان متعلقًا بشيء ومتصلًا به فكما يتعلق الحل به يتعلق بذلك الشيء أيضًا باعتبار إزالته عنه أو ابتداء حصوله منه، وعلى تقدير تعلقها حذوف وقع صفة لعقدة لا نسلم وجوب تقدير مضاف وجعل من تبعيضية، ولا مانع من أن تكون عنى في ولا تقدير أي عقدة في لساني بل قيل: ولا مانع أيضًا من جعلها ابتدائية مع عدم التقدير وأي فساد في قولنا: عقدة ناشئة من لساني. والحاصل أن ما استدل به على بقاء عقدة ما في لسانه عليه السلام وعدم زوالها بالكلية غير تام لكن قال بعضهم: إن الظواهر تقتضي ذلك وهي تكفي في مثل هذه المطالب وثقل ما في اللسان لا يخفف قدر الإنسان. وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله عنه حبسة ورا يتعذر عليه السلام حتى يضرب بيده اليمني فخذ رجله اليسرى وقد بلغك ما ورد في فضله. وقال بعضهم: لا تقاوم فصاحة الذات اعراب الكلمات. وأنشد قول القائل:وقول الآخر: نعم ما يخل بأمر التبليغ من رتة تؤدي إلى عدم فهم الوحي معها ونفرة السامع عن سماع ذلك مما يجل عنه الأنبياء عليهم السلام فهم كلهم فصحاء اللسان لا يفوت سامعهم شيء من كلامهم ولا ينفر عن سماعة وان تفاوتوا في مرات تلك الفصاحة وكأنه عليه السلام إنما لم يطلب أعلا مراتب فصاحة اللسان وطلاقته عند الجبائي ومن وافقه لأنه لم ير في ذلك كثير فضل، وغاية ما قيل فيه إنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها والفضل الكثير في فصاحة البيان بالمعنى المشهور في عرف أهل المعاني والبيان وما ورد مما يدل على ذم ذلك فليس على إطلاقه كما بين في شروح الأحاديث.ثم إن المشهور تفسير اللسان بالآلة الجارحة نفسها وفسره بعضهم بالقوة النطقية القائمة بالجارحة. والفقه العلم بالشيء والفهم كما في القاموس وغيره، وقال الراغب: هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم.والظاهر هنا الفهم أي احلل عقدة من لساني يفهموا قولي.{واجعل لّى وَزِيرًا مّنْ أَهْلِى هارون أَخِى} أي معاونا في تحمل أعباء ما كلفته على أن اشتقاقه من الوزر بكسر فسكون عنى الحمل الثقيل فهو في الأصل صفة من ذلك ومعناه صاحب وزر أي حامل حمل ثقيل، وسمي القائم بأمر الملك بذلك لأنه يحمل عنه وزر الأمور وثقلها أو ملجأ اعتصم برأيه على أن اشتقاقه من الوزر بفاحتين وأصله الجبل يتحصن به ثم استعمل عنى الملجأ مطلقًا كما في قوله: وسمي وزير الملك بذلك لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أمره فهو فعيل عنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجوء إليه أو هو للنسب، وقيل: أصله أزير من الأزر عنى القوة ففعيل عنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واوًا كقلبها في موازر وقلبت فيه لانضمام ما قبلها ووزير عناه فحمل عليه وحمل النظير على النظير كثير في كلامهم إلا أنه سمع مؤازر من غير إبدال ولم يسمع أزير بدونه على أنه مع وجود الاشتقاق الواضح وهو ما تقدم لا حاجة إلى هذا الاشتقاق وادعاء القلب. ونصبه على أنه مفعول ثان {لا جَعَلَ} قدم على الأول الذي هو قوله تعالى: {هارون} اعتناء بشأن الوزارة لأنها المطلوبة و{لِى} صلة للجعل أو متعلق حذوف وقع حالا من وزيرا وهو صفة له في الأصل و{مّنْ أَهْلِى} إما صفة لوزيرًا أو صلة لا جعل، وقيل: مفعولاه {لّى وَزِيرًا} و{مّنْ أَهْلِى} على ما مر من الوجهين و{هارون} عطف بيان للوزير بناء على ما ذهب إليه الزمخشري والرضى من أنه لا يشترط التوافق في التعريف والتنكير، وقيل: هو بدل من وزيرًا. وتعقب بأنه يكون حينئذ هو المقصود بالنسبة مع أن وزارته هي المقصودة بالقصد الأول هنا.وجوز كونه منصوبًا بفعل مقدر في جواب من اجعل؟ أي اعجل هارون، وقيل: مفعولاه {وَزِيرًا مّنْ أَهْلِى} و{لِى} تيبين كما في سقيا له.واعترض بأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدأت بوزيرًا وأخبرت عنه بمن أهلى لم يصح إذ لا مسوغ للابتداء به، وأجيب بأن مراد القائل: إن «من أهلي» هو المفعول الأول لتأويله ببعض أهلي كأنه قيل اجعل بعض أهلي وزيرًا فقدم للاهتمام به وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى بعده، ومن ذلك قيل الأحسن أن يقال: إن الجملة دعائية والنكرة يبتدأ بها فيها كما صرح به النحاة فكذا بعد دخول الناسخ وهو كما ترى، وقيل: المسوغ للإبتداء بالنكرة هنا عطف المعرفة وهو {هارون} عليها عطف بيان وهو غريب، وجوز في {هارون} أيضًا على هذا القول كونه مفعولًا لفعل مقدر وكونه بدلًا وقد سمعت ما فيه.والظاهر أنه يجوز في {لِى} عليه أيضًا أن يكون صلة للعجل كما يجوز فيه على بعض الأوجه السابقة أن يكون تبيينًا. ولم يظهر لي وجه عدم ذكر هذا الاحتمال ولا وجه عدم ذكر احتمال كونه صلة للجعل هنا. ويفهم من كلام البعض جواز كل من الاحتمالين هنا وهناك. وكذا يجوز أيضًا أن يكون حالًا من {وَزِيرًا} ولعل ذلك مما يسهل أمر الانعقاد على ما قيل وفيه ما فيه، و{أَخِى} على الوجوه عطف بيان للوزير ولا ضير في تعدده لشيء واحد أو لهرون. ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموعكما حقق في المطول وحواشيه. ولا حاجة إلى دعوى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيها من الخلاف. وكذا إلى ما في الكشف من أن {أَخِى} في هذا المقام أشهر من اسمه العلم لأن موسى عليه السلام هو العلم المعروف والمخاطب الموصوف بالمناجاة والكرامة والمتعرف به هو المعرفة في الحقيقة ثمن إن البيان ليس بالنسبة إليه سبحانه لأنه جل شأنه لا تخفى عليه خافية وإنما إتيان موسى عليه السلام به على نمط ما تقدم من قوله: {هِىَ عَصَاىَ} [طه: 18] إلخ. وجوز أن يكون {أَخِى} مبتدأ خبره.
|